يسمونه النشيد الوطني لأنه مشتق من الزمله وهي الرفقة والجماعة (تاريخ اليمن) أما الأستاذ/ عبد الله البردوني رحمه الله يقول (الزامل) كفن يستنطق الحال وبعد إنشاده يسمى ـ( زوامل )ـ.
أما البعض الآخر فقد ركز على النبض الحركي للزوامل باعتباره فن من فنون الرقص. فقال العلامة أحمد الشامي (الزامل من الفنون الشعبية القديمة).
ويقول المستشرق الألماني هانز هولفرتيز في كتابة (اليمن من الباب الخلفي) ويعتقد أهل اليمن أنه مجرد إنشاد هذا النشيد الذي يسمى زامل كان يبث الفزع في قلوب الأعداء. ويقول الأستاذ/ حسـين الجيلاني عن الزامل في حضرموت (زوامل بديعة بحكم الوجود اليافعي وهو معروف في القرن السابع عشر الذي بدأ بحكم الطوائف في حضرموت وهذه كلها إشارات خاطفة تؤكد لنا الزامل نوع من الرقص _ إي رقصات الحرب كالعدة والبرع وغيره . ناهيك عن الملابس وأدوات الحرب التي يلبسها الراقص عندما يؤدي هذه الرقصة وتؤكد أن هذه الأبيات إن هذه الرقصة من رقصات الحرب.
يقول الشاعر عمر باعطوة
ومدافع الرحمن مثل الراعـد تقذف صواعق بالنقم مدخـولة
ويقول المعلم عبد الحق
فلا المدافـع رجّها خـوفهم ولا الحوامل منها مشـــغولة
ولا المصانع قل فيها القامزي لا يا عمـر رطلك نقص لا توله
ويقول الشاعـر باحريز
فسحوا في الزامل وقالوا لي البنادق كذّبت
ومن معه دعوى يوكلنّا وبا أطلع له وكيل
وللزوامل أسماء كثيـرة في اليمن ففي المناطق الشمالية ( يسمى مغرد) ومناطق تهامة (مهيد) وفي المناطق الوسطى (المهجل) ويسمى (راجـز) وفي بعض المناطق (مجاوبه) وفي حضـرموت زامل (اليامي) عند قبائل سيبان (وزامل الصف والهبوت) عند قبائل الحموم وهذا الاسم يطلق في المشقاص والمهـره وعمان وزامل يافع وزامل العبيد وهو من الزوامل الوافدة إلينا من أفريقيا. ومن خلال بحثنا لم نجد بيتاً من الشعـر ردد هذه الأسـماء بل كلها أجمعت على كلمة الزامل وهي أكثر شيوعاً من الأسـماء الأخرى خاصةً في حضـرموت ولذا نجدها كثيرا ما وجدت في الأشعارالشعبية.
يقول باحريز
وأنا ما نخرج الزامل بلا سكين نتبرع وكل رقبة طويلة راس لها آفة توا طيها
ويقول الشاعـر عوض باغطاء
قال شاعر خرج موكبي في عز مندر عيدنا حفلة الزامل وكل بعيده
ويقول الشاعـر سالمين بن لسود بن الهميم
صوت الزوامل يطرب الوافي وينســـم المجروح مما به
شـربه شربناها من الصـافي وان جاء بشير الموت حيا به
أما شاعرنا أبو محضار رحمة الله يقول
يا حصن مولى البناقل محلى ركونك خيفان بعد الزوامل ينعق عليك الغراب
ويقول أيضاً
الرييده سقوني الذر فبها وربوني ما تناسيت وأعرف سـدة الدار والبوني
كل دخلة بترحيبة والزمل والتناصير
وقال أبو محضار في الزامل
وسريت ورجعت بـــــدري ذا يومنا عند محبوبي روعـي البادر
والناس يمشون بعدي بالزف والزامل لا تخربون الزمن مادام للتعمير قابل
وأشعاره قوية بقوة ذلك الصراع وتلك الفتن وذلك الظلم الذي يعانيه الشعب من حكامه في ذلك الزمن ورائعة بروعة كرم وشهامة هذه البيوت اليمنية ورمزية بعظمة هؤلاء الشعراء وما تميز به الشعر الشعبي اليمني من قوة وسلاسة على مستوى الجزيرة والخليج.
تاريخ نشأة الزوامل
الزامل من الفنون القديمة التي لا نستطيع تحديد فترة نشأته ولكن من حيث العمر الزمني فهو قديم جداً وأشارت بعض المصادر كما أشار أستاذنا/ حسـين الجيلاني إلى وجوده فهو قديم في اليمن وحين زار مندوب قيصـر الروم أحد ملوك حميّر يقول الدكتور/ جواد علي ( إن رئيس الوفد القيصري رأى الملك الحميري عندما خرج في موكبه على عربة تجرها الخيول وليس على هذا الملك الحميري من الملابس إلا مأزوره وحوله رجال حاشيته وهم يتغنون بإطرائه وتفخيمه وهم على هيئة الزامل). إذاً فان إيراد مثل هذه الاشاره الخاطفة تثبت إن هذه الرقصة موغلة في القدم ومعروف تميز اليمن بحكم عمقها التاريخي بتنوع هذه الفنون والتي يندر وجودها في بلدان أخرى خاصة الرقصات الشعبية ويتساءل الأستاذ/ البردوني في كتابة (الثقافة الشعبية في اليمن) من أي أصل أتى؟ لقد نشأ هذا الفن من أصل خرافي يشبة حكاية القات الذي قيل أول من أكتشفه تيـس فدل الراعي على لذته ثم دل الراعي رعاة آخرين فتزايد مضغه إلى حد التعميم اليوم. تشبه حكاية الزامل ما رواه المعمرون إن بعض القبائل فرت في سنة (دقيانوس) إلى كهوف الجبال خوفاً من هجوم المعتدي وفي هدأة الليل سمعت أصواتاً جهيرة كثيرة العدد بديعة الإيقاع لم تسمع اجمل منها إثارة وتحميساً وكانت تردد باللغة الشعبية زاملاً يهز النفوس ويرنح قامة الصمت وعندما أصغت إليه القبائل حفظت ذلك الزامل.
قبح الله وجهك يا ذلـيـل عاد بعد الحرائق عافـية عند شب الحرائق ما نميل باتجيك العلوم الشـــافية
وكانت أصوات الزاملين تقترب فتثير الفزع وتبتعد فترجعها الرياح وكانت القبائل المختبئة تخرج من مخابئها فلا ترى أحد وإنما تسمع ضجيجاً وتشاهد أمواج الغبار فتأكد المختبئون من اشتعال حرب بين الجان فهيجهم ذلك الزامل المتحمس فأجتازوا جدار الخوف وأندفعوا لمقارعة العدو. وهذه الحكاية بتاريخها (سنة دقيانوس) تشير إلى الغزو الروماني بقيادة أكتوفيوس وربما حرفت اسم القائد باللهجة المحلية فسموه دقيانوس ولعل هذه التسمية تعرف الغزو الروماني والحبشي معاً وعادة لهجتنا المحلية التي ما تحرف كثيراً الأسماء فمثلاً كانت تسمي الأتراك (هماشلة) كما كانت تسمي الإنجليز (السركال) وقياساً على هذا فان سنة دقيانوس سنة الغزو الروماني في مطلع القرن الثالث الميلادي والى هذه الفترة تنسب نشأة فن الزامل، تعلمتها الجموع القبلية من الجان ثم أصبحت تقليداً لأن الجان أعلى مثال في الإبداع القولي. غير إن هذه الحكاية تستثير سؤالاً هل كانت الجموع قبل سنة دقيانوس خرساء من أي تعبير؟ ربما هناك أنواع من الترانيم لم تحدد بتسمية ووقعت في غمار المنسيات من الحكايات والأخبار أما زامل الجان فقد توارثته الرواية الشفهية جيلاً عن جيل إلى مطلع هذا العصـر وفي أحداث الحرب تسبق دعوة الاستنفار ترديدات هذا الزمل كإثارة تحميسه وتتلو هذا الزامل صيحات إلى مكان الصوت المستغيث فتبدأ زوامل الحرب وإذا كان مكان المعركة قريباً كان الزامل من ضرب القصير من أمثال هذا التشكيلـ
بارق برق من عندكم وأسقى البلايد عندنا
غصن القنا من عندكم والقاطفي من عندنا
ويؤدي هذا الزمل كالمهجل سريع الحركة على الشفاه قصير الأنفاس يناسب سرعة التحرك في الصعود والهبوطـ
أذن ما هو الزامل؟ الأزمل في اللغة الفصحى الصوت المختلط من عدة أصوات وهو بمعنى آخر العد والتمايل كسرعة الأعرج أما تعريفة من محتواه فهو تعبير الحياة المباشرة من خلال الأصوات المتجاوبة فهو إنتاج جماعي روته أجيال عن أجيال كما أشار الأستاذ/ البردوني في كتابة (فنون الأدب الشعبي) ولا يشكل البداع إلا أقل أجزاءه في المناسبات الطارئة غير إن أكثرية الزوامل شهرة مجهولة القائل كنشيد الحرب الذي سبق له التمثيل. ويقول الأديب والعلامة/ أحمد الشامي الزامل من الفنون الشعبية القديمة والزامل نوع من الرجز يرجع إليه أهل اليمن حين يكونوا في حالة حصار أو حرب فيقف قائدهم وهو في الغالب يجيد نظم الزامل فيرتجز بعضة أبيات بلهجتها العامية مراراً حتى يتلقفها الجميع وتنشد جماعياً وقد لعب الزامل دوراً مؤثراً، فحين يشعر الأهالي بالظلم واقع عليهم يتجهون إلى مقر الحاكم ويتزملون بشكيتّهم ونورد هنا بعض الأمثلة ـ
عاد حد للناس خالق عاد حد با ينقد المنقود يا هــذا العــرب
أما الشاعر والمقدم/ عوض بن شملان قال مخاطباً الوزير المحضار مستنجداً به من حكم باصـره حاكم دوعن
شغب الحيل نساني أصوات الزمل القلب غل غلة زمان القصـره
ما فيه ذل دائم يدحق في العمـل شاف المحل داهل صراب الشفره
فرد عليه حسـين بن حامد المحضار قائلاً:
الهرج حل بالقيك على ظهر الجمل بين العدل من شوكها والسبره
شفنا جبل ما حــد يرقل بالجبل مابايصل منه يســبح صدره
أما الشاعر عبدالله عبود مدحج الشحري مهاجماً السلطان بدر أبو طويرق:
قدها عليه هتفه يضم ويضـيّع ويوقظ الفتنة وهي نعسانة
حلان كم من دار صبحهم طيّر بشوره العاثر بدت حزنانة
ما فادت الحملات قل له هـون الجند فشلت والعرب تلفانه
ضيعت رزق الخلق في كثر السفه ألوف ذي ضيعتها حنانـه